أرشيف

الشهيد الرعيني..أختطفه البلاطجة وأقسم ألاّ يعود إلى القرية قبل نجاح الثورة

كانت زيارتنا لمحافظة إب غير مبرمجة وبمجرد دخولنا ساحتها رأينا صورة الشهيد أحمد الرعيني وقدميه المتفطرتين (أثر مشاركته في مسيرة الحياة الراجلة من تعز إلى صنعاء رفضاً للحصانة والتسوية السياسية) فهزتنا الأشواق لزيارة أسرته للتعرف عليه وتوثيق سيرته الشخصية كون ذلك جزءاً من عملنا الصحافي..

لم يكن لدينا دليلٌ للسفر بعد أن قمنا برسم خارطة الطريق من إب إلى قرية الشهيد ومن ثم إلى منزله الصغير المتواضع، والذي أصبح يكبر شيئاً فشيئاً بفضل ما قدمته (أم العز عبد السلام) بعد أن رسى عليها مزاد حذاء الشهيد الرعيني بثلاثة مليون ريال.. فهنيئاً لك (أم العز) ذلك العمل الخيري.. لقد كنت فعلاً أرى أم العز في كل زاوية وعلى كل حجر يبنى بها لتوسيع منزل أطفال الرعيني، كنت أرى بصماتك (أم العز) في كل مكان يشيد لأسرة الشهيد، وذلك ما أنسانا تعب السفر والتنقل والخوف مما قد أجده، وكان كل من نسأله عن قرية أو منطقة (اليهاري) الواقعة على طريق حبيش يرد علينا باسم (قندهار).

كنت متخوفاً بعض الشيء ولكن وبمجرد وصولنا هناك وجدتهم نعم الرجال ونعم الكرماء وأخص دليلي في طريق العودة الأخ/ عادل الرعيني وأبن عم الشهيد ذلك الرجل المثالي والخلوق الذي رفض توديعي وواصل معي السير إلى الخط الرئيسي ولم يودعنا إلا بعد أن صعدت المركبة للعودة إلى إب.. بعد أن دونت جزءاً من حياة الشهيد/ أحمد الرعيني الذي ستظل منقوشة منقوشة علىجبين الثورة وستخلد تاريخياً إلى الأبد..

                            تحقيق/ أمين عبد الله راجح

من هو الرعيني؟

أحمد علي بن علي الرعيني-17 عاماً- من مواليد قرية (اليهاري) – الظهار- إب..  أحمد أكبر الذكور في أسرة الرعيني  يليه (عادل 13 عاماً، عمر 11، حمزة 10 محمد8سنوات).. زينب هي الأخت الوحيدة والتي تكبر أحمد..

كغيره من أبناء القرية درس أحمد في مدرسة القرية، وبسبب سوء المعيشة ولكون أبيه عاملاً بسيطاً قرر أحمد مغادرة المدرسة بعد نجاحه للصف التاسع الأساسي والذهاب إلى المدينة لمساعدة أسرته.. عمل أحمد في الحراج لفترة ثم مارس عملية بيع الجلجلان في سوق الجملة بإب .

عندما اندلعت ثورة الشباب التحق أحمد بساحة إب، ثم أنتقل إلى ساحة التغيير بصنعاء، ولكن وبسبب الفقر وسوء حالة أسرته المادية من جهة وتأخير عملية الحسم الثوري من جهة أخرى قرر أحمد الرعيني-رغم سنه الصغير- السفر إلى السعودية للعمل هناك ليتمكن من مساعدة أسرته، لكنه لم يوفق فعلى مشارف حدود السعودية تم تزفيره الأمر الذي زاده إصراراً للمشاركة في نجاح الثورة فعاد مرة أخرى إلى ساحة التغيير بصنعاء

وأقسم أن لا يغادرها حتى تتحقق أهداف الثورة أو الاستشهاد كما أخبر أمه وأصدقاءه أنه لن يعود للقرية  قبل نجاح الثورة..

بعد غيابه عن القرية اشتاقت الأم لرؤية ولدها أحمد فطلبت منه السفر إلى القرية فاعتذر إلا أنه أخيراً قرر السفر لزيارة جدته بعد أن طلبت رؤيته وزيارته قبل وفاتها في مستشفى الثورة بإب وبينما هو كذلك قابل أحمد مسيرة الحياة في ذمار  فازدادت ثورته حماساً ونزل مباشرة ليلتحق بثوارها وألغى فكرة السفر.

التحق أحمد بالمسيرة وبعد أن تمزقت حذاءه واصل سيره على الأقدام حتى تفطرت قدماه وفي دار سلم السبت 24/ 12/ 2011م وعلى حين غفلة كان من أبرز الشهداء بعد أن تلقى طلقة غادرة اخترقت عنقه فأودت بحياته في الحال.. ظلت جثة أحمد مجهولة كونه قد أعطى كوته زميلاً له تعرف عليه بذمار وبعد التعرف عليه اتجهت قرية (اليهاري) إلى صنعاء لنقل جثة أبنها الثائر إلى محافظة إب.. نقلت جثة أحمد إلى مستشفى الثورة بإب وأصبح مزاراً من قبل جدته وفي صباح يوم الثلاثاء تم نقله إلى مقبرة القرية الجديدة فسميت باسمه وكان أول من دفن فيها ثم جدته التي لحقت به في اليوم العاشر من وفاته والناس يهللون ليلاً لتبقى رفاتها بجواره إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها..

أصدقاء الشهيد

 عبد الرحمن عبد الله الحيبري: (صديق الشهيد) قال:

الشهيد أحمد من أعز أصدقائي درست أنا وهو بمدرسة  الأمام البخاري إلى صف تاسع.. كانت ظروفه صعبة وترك المدرسة من أجل أن يساعد أسرته..

أحمد كان كريماً وشجاعاً وثورياً.. كان دائماً يشارك بالمسيرات ويكون الأول ولو كان في شغل أو إذا جاءت مسيرة وهو يشتغل يترك العمل ويذهب  ليشارك..  كان طيباً ومتعاوناً، كان إذا في معي عمل بالدكان يساعدنا وإذا أحتجت منه فلوساً وفي معه يسلفنا..

بهذا الدكان كنا دائماً نتناول السحور برمضان.. علمت باستشهاده يوم الأحد بعدما بلغنا وليد محسن فلم أصدق وقلت لازم أراه بعيني، فانطلقت لا شعورياً إلى إب ثم إلى صنعاء، ولم أكلم أحداً.. قالوا رأوه بالتلفزيون فذهبت لكي اتأكد.. وصلت صنعاء بعد المغرب وزرته بمستشفى جامعة العلوم.. صدمت ولم أصدق أنني سأفارقه إلى الأبد كانت الصدمة كبيرة لدرجة أني لم أستطع أن أعبر عن ذلك الحزن الذي أصابني -(يتكلم والدمع يملأ عينيه)- ثم يواصل:

وفي اليوم الثاني أنزلنا الجثة إلى مستشفى الثورة بإب ومشيت مع المشاركين يوم دفنه وودعته بأخر نظرة قبل أن نواري جسده الطاهر في المقبرة الجديدة التي سميت باسمه مقبرة الشهيد أحمد بن علي الرعيني.. ولن أنساه ما حييت..

 عادل الرعيني: أبن عم الشهيد تحدث عنه بقوله:

أحمد كان شجاعاً ومقداماً وقد أعتقل بعد عيد عرفة في مسيرة القاع بصنعاء.. كان أول من أختطف من قبل البلاطجة والحرس الجمهوري بعد أن حصل على ضربة بالهراوة في الرأس ومن ثم اعتقل بعد أن جاء أحد العسكر يريد أن يمسكه فقام أحمد بدهفة .. كان لا يخاف فضربوه..

ومن المواقف التي حصلت معه أيضاً: “عندما طلعت صورة الرئيس بالتلفزيون بعد المرض وهو مشوه، كان بالجولة يشتغل، وكان هناك طقم يحمل صورة الرئيس ويحتفل بظهور الرئيس ويستفز الناس، فقال له أحمد:”بقية حارق” فنزل أحد الضباط ولطم أحمد، فرد عليه أحمد بلطمة أقوى منها فنزل العسكر المرافقون وقاموا بضربه بأعقاب البنادق بالخلف، ودخل أحمد في عراك مع الضباط وتمكن من أخذ مسدس الضابط بعد أن ردعه عرض السيارة، فخوفهم بالمسدس إلا أنه لم يكن يعرف كيف يستخدم المسدس فلم يستطيعوا أن يتحركوا بعدما هددهم، ثم حضر مجموعة من الناس أثناء الحادثة وأقنعوه على أن يسلم المسدس مقابل أن يتركه العسكر ففعل، وقد كسروا له يده من المرفق في ذلك الشجار وظل مربوطاً لفترة طويلة”..

 أيمن حسن محمد قائد: (من أصدقاء الشهيد)..

الشهيد كان شجاعاً وتواقاً للشهادة لدرجة أنه ذهب إلى احد  محلات التصوير وقام بتصوير نفسه صورتين تشبه صور الشهداء وكتب على أحداها  العبارة “يا عز يا ذلة، أما نعيش أحرار أو نلتقي بالله” ونسخ من تلك الصورة نسخة لأمه، وأبقى نسخة عند أصدقائه وقد وأوصاهم وحملهم أمانة أنه إذا استشهد أن يطبعوا له نفس الصور التي قام باختيارها بنفسه، وبالفعل بعد استشهاده نفذت وصيته وطبعت صورة بنفس الشكل فقط مع إضافة اسمه على  الصورة وقد أعطانا أصدقاؤه الصورة أول ما وصلنا مستشفى العلوم لرؤية الجثة.. قالوا لنا: “هذه أمانة الشهيد وهي ألا تنشر له صوراً إلا من الصور التي أرسل بها لأمه بالقرية نفس هؤلاء” وكأنه كان على علم باستشهاده رحمة الله عليه..

 عمر أحمد عبده (أبو خال الشهيد):

كان يوم دفن الشهيد يوم زخم ثوري كبير  فبعد أن صلى عليه بساحة خليج الحرية بإب الساعة  التاسعة صباحاً نقل إلى قريته (اليهاري) في في موكب جنائزي مهيب من السيارات المليئة بالمشيعين لدرجة أن السيارات لم تستطع الدخول إلى القرية فوقفت بعيداً وتم تشييع الشهيد على الأقدام إلى منزله بعد أن خرجت القرية عن بكرة أبيها لاستقبال المشيعين،  مع اختلاط  الحزن على أحمد والفرحة بالشهادة قامت نساء القرية (يزغردن) لدرجة أن الناس أستغربوا.. (أكثر من 800 امرأة).. رغم ذلك الكل بكى أحمد الرعيني.. (أسرته وجيرانه وأهل القرية) لأن الكل كان يحبه، وبعد زيارة الجثة تم نقلها إلى المقبرة الجديدة التي سميت باسمه.. أحمد نزل لزيارة جدته في مستشفى الثورة بإب، فكانت هي اسبق لزيارته ميتاً في نفس المستشفى وبعد دفنه ولكون المشيعين من الساحة والقرى المجاورة كثيرين قام أعيان القرية بذبح ثورين وكان غداء للمشيعين وكان ذلك اليوم هو يوم عرس الشهيد/ أحمد الرعيني.. لقد كان الشهيد كريماً على أسرته حياً وميتاً، فبعد استشهاده بأيام سمعنا بقصة (حذاء الشهيد) بأن قام الحميدي بفتح مزاد للحذاء ابتداء بمائة ألف ثم وصل إلى مليون ونصف ثم إلى ثلاثة مليون ريال .. لم تصدق أسرة الشهيد ذلك ولكن ضربت (أم العز) المثل الأعلى في الكرم والوفاء بعد أن حضرت بنفسها وتحملت عناء السفر إلى قرية (اليهاري) لتسليم ذلك المبلغ لأسرة الشهيد (الأب والأم) وقد تم التسليم في احتفال حضره أعيان القرية وتم تكريم (أم العز)  وكان لذلك المبلغ تأثير كبير على أسرة الشهيد، فبدأنا بتوسيع منزل الشهيد وبنائه بطريقة حديثة وأفضل مع الإبقاء على المنزل الأول المتواضع المبني بالطين والمسقوف (بالخشب البلدي واليرع).. ولن تنسى أسرة الشهيد والقرية بأسرها ما قدمته (أم العز) من دعم لأسرة الشهيد..

والد الشهيد:

تحدث إلينا والحزن يملأ عينيه أبني أحمد كان عائل البيت والأسرة، رغم أنه من بداية الثورة وهو مع الثوار جاءنا خبر استشهاده وأنا في البيت الصباح اتصل بي إسماعيل قلت له هل معك  شغل؟ قال “ليس شغل ولكن أبنك أصيب” قلت له ما تكون ولا حاجة ما به إلا أتوفى.. أنا حاسس من أول الأسبوع أنه سيفارقنا خاصة بعد ما أرسل لنا بصورة.. (هذي هي صورة نفس الثورة التي عملوها بالساحة، ,اختارها لتكون بعد استشهاده)..

والدة الشهيد:

علمت باستشهاد أحمد صباح يوم الأحد.. كنت بالمستشفى مع الوالدة  وبعد ما وصل الخبر جاءت مجموعة نساء وأخبرنني أن أحمد مجروح.. ورأيت باعينهن أمراً آخر  ثم جلسن قليلاً ورجعن قلن “مات” قلت الحمد لله. أحمد عاد بعد أن زفروا به من حدود السعودية إلى ساحة التغيير وكان دائماً يقول (واحده من ثنتين) النصر للثورة أو الشهادة.. كنت أقول له سافر أشوفك قال: لا..  إلا بعد ما تنتصر الثورة وبعد ما أصررت أنه يسافر ذهب أتصور وأرسل بالصور مع عمر صديقه وقله “خذهن لأمي”.. وبعدما مرضت جدته ونقلت إلى مستشفى الثورة باب اتصلت به وبكيت لينزل فوافق أنه ينزل يوم واحد فقط ثم يعود للساحة ففرحت كثيراً بعدما قال خلاص بأنزل بكرة جلست منتظرة من الصباح حتى المغرب ولا جاء فاتصلت به بالجوال وهو بذمار قال: “في مشاكل برجع مع المسيرة” وقال: “أريد أشوف كيف با يكون اللقاء بين أهل تعز وأبناء صنعاء” واقنعني أنه سوف ينزل يوم الأحد فاستشهد يوم السبت قبل أن ينزل..

في رثاء  الرعيني

الشاعر / محمد عبد الله قال: قلت في الشهيد أكثر من قصيدة لكني سأختار قصيدة واحدة عنوانها: “نحن والمجد في قطار” تقول:

دع فؤادي يا فؤادي..

بين زهوري وافتخاري

فأنا والمجد أصبحنا..

على نفس القطارِ

تنحنيلي بشموخ..

وجلال ووقارِ

ويناديني بصوت..

قائلاً لي بانكسار

ليت أني لم أكن مجداً..

وكنت اليوم من أهل اليهاري

لا تقولوا أني بالغت ..

أو جاوزت في وصف المسار

فمعي برهان يمحو..

كل شكل واختيار

أنا من قرية العز..

وشموخ واقتدار

سطر التاريخ امجادي..

مناراً في منار

ومعي اليوم شهيدًً..

نعله تاج وقاري

بينما المكارم بعد تعز..

صرعى في أنابيب المجاري

أنا من أرض شهيد خاض في قلب الغمارِ..

وسلوها دار سلم عن فتى ذاك القطار

كيف شف الهول ما بالى بنار واستعار..

يقذف الغار إطاراً نحو آلات الدمار

هادراً الله أكبر بدمي أحمي ذماري..

ليتني  كنت إطاراً ويداً أحمل ناري

قل لعفاش مضت كل ألعاب الحوار..

قل لعفاش تواريت حقيراً باحتقار

قل لعفاش بصوت العز واصرخ في جهار..

لعن التاريخ أمساخاً بوضع أو خداري

أنت حي أو ميت جردت من أي قرار..

أن ينادوك حماراً فاعتذاري للحماري

أين يا عفاش قذافي وحسني والضواري..

أين زين أبن علي أين بشار الدمار

نكسوا ذلوا أهينوا خلدوا وصمة عارِ..

لم يعد للظلم حضً في بلادي أو دياري

أرفعوا الهامات يا ثوار وازهوا بانتصار..

لكم العقبى وللطاغين ذل الانكسار

زر الذهاب إلى الأعلى